Logo En
الفصول شاهد مراجع تواصلوا معنا

القضية اللبنانية

الماضي يبقى وبالتالي يحيا الحاضر، والحاضر نزوع حي قائم، وخلق لما يسمى المستقبل (شارل مالك)

اعرف المزيد

تعريف

يجسّد مشروع "القضية اللبنانية" لمركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الاستراتيجية (MEIRSS) في رؤيته لمستقبل يهيمن فيه سيادة القانون، وتتأصل فيه قيم الديمقراطية والسلام. يدعو المركز إلى اتخاذ قرارات مستنيرة تستند إلى الأدلة والعقل، بعيداً عن الصراعات والأيديولوجيات المتشددة، لتحقيق حياة كريمة للجميع، حيث يسود السلام وتتحقق المساواة بغض النظر عن الدين، أو العرق، أو الانتماء السياسي.
شهدت الفترة من عام 1969 إلى عام 2005 في لبنان محطات مفصلية عقدت القضية اللبنانية بشكل دراماتيكي، وأدى تراكم الأزمات إلى تفاقم الصراعات والحروب التي ما زالت تبعاتها تلقي بظلالها على لبنان حتى اليوم. وقد تفجرت هذه الأزمات بسبب تضارب المشاريع الإقليمية والمحلية على الأرض اللبنانية، حيث كان المشروع اللبناني يسعى للتحرر من الهيمنة الإقليمية وإيجاد هوية سيادية وطنية مستقلة، بينما سعت المشاريع الإقليمية إلى دمج لبنان في محيطها وفق مصالحها السلطوية.
تسببت هذه الأزمات في إشعال الحرب اللبنانية عام 1975، التي لم تكن وليدة لحظة، بل تراكمت ضغوطها حتى وصلت إلى نقطة الانفجار. أثرت هذه الحرب في مختلف مناحي الحياة من السياسة والاقتصاد إلى البنية التحتية والنسيج الاجتماعي، حيث ترافق النزوح والانتهاكات مع معاناة عميقة في كافة أوجه المجتمع.
في هذا السياق، يلعب موقعنا دوراً حيوياً كمرجع يوثق الأحداث ويجمع الشهادات الحية، مستفيداً من التاريخ الشفوي والأفلام الوثائقية والوثائق الرسمية والأبحاث الأكاديمية. تسعى هذه المبادرة إلى إبقاء الذاكرة حية لضمان عدم تكرار المآسي، وذلك من خلال نشر مقالات، وجداول زمنية، وخرائط، ووثائق، ومواد بصرية، وبودكاستات، بحيث تمكن الأجيال الحالية من استيعاب الماضي والحفاظ عليه.

الاعوام الخمسون الاولى من عمر القضية

على الرغم من التوافق في "الميثاق الوطنيّ" على هويّة لبنان، وإن ملتبسة، إلّا أنّها بقيت حتّى "اتفاق الطائف" غير دقيقة وواضحة بالنسبة إلى علاقته بمحيطه العربيّ، ولا تنطبق على مفهوم قانونيّ أو دستوريّ محدّد؛ فبقي "لبنان ذو وجه عربيّ" الذي فهمه المسلمون أنّه تعبير لعروبته، فيما رأى المسيحيون المصطلح تجسيدّا للقوميّة اللبنانيّة. ولهذا السبب، أخذت خلافات اللبنانيّين على هويّة بلدهم تتخمّر وتتفجّر بالتزامن مع طرقِ الهويّة العربيّة على أبواب بلدهم من ناحية الشرق منذ الخمسينيّات من القرن العشرين، وبانجذاب المسلمين بحدّة إلى العروبة الناصريّة وإلى الوحدة المصريّة-السوريّة، فيما قلق الموارنة في المقابل على "لبنانهم" المستقلّ الذين أسهموا فيه بكلّ جدارة؛ من مشروع وحدويّ إسلاميّ يزحف عليهم بعباءة العروبة. وكان المسيحيّون، كما سبق الذكر، لا يتنكّرون لدور العروبة الثقافيّ في هويّتهم، وكانوا روادَها منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، لكنّهم رأوا أنّها تتغذّى من منابع عديدة، رافضين الجانب العروبيّ الوحدوي لها.
. قراءة سريعة لابرز الازمات السياسية التي عكست هذا الصراع على الهوية الوطنية منذ الاستقلال حتى توقيع اتفاق القاعرة عم 1969: .
الأزمة الأولى: القطيعة الاقتصادية على الرغم من حصول لبنان وسورية عل إستقلالهما ودخول كلّ منهما جامعة الدول العربيّة وهيئة الأمم الممتّحدة، كدولة مستقلّة ذات سيادة تامّة، فقد بقي النقد واحداً والنظام الجمركيّ واحدأً .
وبدأت القطيعة تطلّ برأسها بين الدولتين بعدما وقّع لبنان مع فرنسا بتاريخ الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني عام 1948 إتفاقيّة نقد تنقذ اللّيرة اللبنانيّة من التدهور الذي كان يلاحق الفرنك الفرنسيّ: ولأن سورية رفضت مثل هذه الإتفاقيّة، فقد قامت قيامة الصحف الإسلاميّة في لبنان على الحكم اللبنانيّ متّهمة إياه بالخروج على الوطنيّة. وفي الثامن من شهر آذار من العام 1950، سلّم موفد أرسله خالد العظم، رئيس الوزراء السوريّ، وزير الخارجيّة اللبنانيّة فيليب تقلا، إشعاراً يطلب فيه من لبنان أن يختار، إمّا الوحدة الإقتصاديّة الكاملة مع سورية، وإمّا القطيعة الكاملة بين الدوليتين. وأنذر لبنان بوجوب إعطاء الجواب قبل العشرين من الشهر نفسه.
رفضت الحكومة اللبنانية، برئاسة رياض الصلح، الإنذار السوريّ، وإتخذت قرار القطيعة في الرابع عشر من شهر آذار. فانقسم اللبنانيون قسمين: المسيحيّون، وقد أيّدوا بلا تحفظ موقف الحكومة اللبنانيّة، والمسلمون، وقد تضايقوا، في بادئ الأمر، من هذا الموقف ثم عادوا فعارضوه بقوة. وكذلك إنقسمت جمعيّة التجار اللبنانييّن.
وكانت الصحافة قد سبق لها ونطقت باسم من تمثّل وحدّدت مواقفهم. فجريدة " بيروت-المساء" أعلنت في مطلع شهر نيسان ما يفيد أنّ المسلمين مع الوحدة الإقتصاديّة. وجريدة "العمل" لسان حال حزب الكتائب اللّبنانيّة، كتبت في التاسع من الشهر نفسه ما يفيد أنّ المسيحييّن ضدّ الوحدة الإقتصاديّة. وغرقت البلاد في جدل وفي حمّى سياسيّة قاتلة، لم يهدئ منهما تصريح رئيس الوزراء اللّبنانيّ رياض الصلح، في مجلس النواب بتاريخ الخامس عشر من شهر آذار من العام 1950، عندما أعلن أنّ الوحدة الإقتصاديّة كارثة على لبنان ولا تفيد سورية. وكلامه كان موجّهاً إلى المسلمين اللّبنانييّن.
أمّا الذي وقف في وجه الخطة السورية الهادفة إلى تعميق التفسخ الداخليّ اللبنانيّ عن طريق تضييق الخناق الإقتصاديّ على لبنان، فهو نجاح العراق ومصر في إجتذاب قسم من الشارع الإسلاميّ إلى سياستهما المناهضة لسورية. فقام توازن في داخل هذا الشارع أدّى، بالإضافة إلى تأييد المسيحييّن لموقف الحكم، إلى مساندة الخيار اللّبنانيّ وتجاوز الأزمة.
الأزمة الثانية: أحداث عام 1958 في الوقت الذي كان فيه العالم الإسلاميّ العربيّ حاقداً على الغرب وسياسته لتأييده القويّ إسرائيل، وفي الوقت الذي تصرّف فيه الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركيّة، تصرفاً إستهتارياً تجاه مصر بإمتناعه عن تزويدها بالسلاح، وبسحب وعده بتقديم القروض لبناء السّد العالي، كان نجم جمال عبد الناصر، الذي أطاح الملكيّة في مصر، يعلو بسرعة في سماء السياسة العربيّة. وساهمت أحداث ثلاثة في جعل عبد الناصر بطلاً، ومحور الشعوب العربيّة، ورابطاً بين محيطها وخليجها.
الحدث الأوّل، في شهر آذار من العام 1955، عندما إشترى عبد الناصر سلاحاً من العالم الشيوعيّ.
والحدث الثاني، محاربة عبد الناصر حلف بغداد (وقد دخلته العراق وتركيا في الرابع والعشرين من شهر شباط من العام 1955). الذي يعيد، بنظر المسلمين هيئة الغرب وإستعماره. وقد نجح عبد الناصر في توقيع إتفاق مع سوريا بتاريخ الثاني من آذار من العام نفسه، ضدّ حلف بغداد ، دخلته السعوديّة في ما بعد طرفاً ثالثاً. إلاّ أنّ عبد الناصر فشل في إجتذاب لبنان إلى هذا الاتفاق. فقد رفضه كميل شمعون، رئيس الجمهوريّة اللّبنانيّة، خوفاً من طموح عبد الناصر ومن هيمنة السياسة المصريّة، ومعارضة منه لتواجد قوى عسكريّة أجنبيّة على أرض لبنان لا تكون بإمرة السلطة اللبنانيّة.
أمّا الحدث الثالث فهو تأميم قنال السويس والحملة الثلاثيّة، الإسرائيلية والفرنسيّة والبريطانية، في العام 1956.
في خضم هذه الحملة العسكرية، طلب مسلمو لبنان، بتوجيه مصريّ-سوريّ، الحكومة اللبنانيّة بقطع العلاقات مع فرنسا وبريطانية على غرار ما فعلته سورية والسّعوديّة. لكنّ كميل شمعون لم ينصع إلى هذا الطلب لعدم فائدته، ولأن الفرنسيّين والإنكليز كانوا قد بدأوا الانسحاب من المنطقة التي إحتلّوها من مصر.
وزاد في طين الانقسام الداخلي بلّة قبول لبنان مبدأ أيزنهاور في السادس عشر من آذار من العام 1957. وهدف هذا المبدأ هو الوقوف في وجه الإمتداد السوفياتيّ.
إنعكس هذا الإنقسام الضاغط على جوّ الانتخابات النيابيّة التي جرت في لبنان في عام 1957. ففي الثلاثين من شهر أيّار من ذلك العام، قامت تظاهرات ضخمة في بيروت، ناصريّة اللون والطعم والرائحة، أدّت إلى إصطدامات دامية مع قوى الأمن. وفي الشهر التالي، أي شهر حزيران، جرت الانتخابات، فكانت نتائجها مؤيدة لخط رئيس الجمهوريّة السياسيّ. وظهر أكثر فأكثر إنقسام البلاد صراحة قسمين: المسيحيون، وهم في أكثريتهم السّاحقة ضدّ الخطّ الناصريّ ومع سياسة كميل شمعون، والمسلمون وهم في أكثريتهم الساحقة، مع الخطّ الناصريّ وضدّ سياسة كميل شمعون.
وفي تلك الأجواء الحارّة وقّع إتفاق الوحدة بين سوريا ومصر في الثاني والعشرين من شهر شباط من العام 1958. وتحقيق هذه الوحدة ألهب إلى حدّ لا يصدق مشاعر المسلمين، وأثار فيهم توقهم إلى الوحدة العربيّة. ورافق ذلك مساندة سوريّة صريحة للفريق الإسلاميّ اللّبنانيّ على أصعدة السياسة والتسلّح والمال. ولم يكن رجل سورية القويّ، يومئذ، عبد الحميد السرّاج، ولا السفير المصري عبد الحميد غالب. ليخفيا تدخّلهما السافر في الشؤون اللبنانية. فأحسّ المسيحيّون بالخطر يحدق بهم، فتعمق حذرهم وقلقهم وخوفهم. أمّا الشرارة التي أشعلت الأحداث، في ربيع ذلك اليوم، فكانت مقتل الصحافي نسيب المتني في الثامن من أيّار. المسلمون اللّبنانيّون إعتبروا سامي الصلح، رئيس الوزراء، والوزراء المسلمين خونة لأنّهم بقوا على تأييدهم لرئيس الجمهوريّة. والمسيحيّون اللّبنانيون حقدوا على قائد الجيش، فؤاد شهاب، لأنّه لم يسمح للجيش بقمع " التمرد والعصيان". أمّا الفلسطينيّون فقد تدخلّوا إلى جانب المسلمين، بينما لم يكن بينهم وبين السلطة في ذلك الوقت أيّ خلاف.
عرضت الأزمة اللّبنانيّة على مجلس جامعة الدول العربيّة في 28 ايّار في بنغازي. لكنّ مجلس الجامعة لم يتجرأ على الوقوف بجانب لبنان المعتدى عليه. وعرضت الأزمة في مجلس الأمن الدولي في الحادي عشر من شهر حزيران، فاكتفى المجلس بإرسال مراقبين لم ينجحوا في إكتشاف أيّ تسلّل للسلاح أو للرجال عبر الحدود السوريّة- اللّبنانيّة.
وبقيت الأمور في تأرجحها حتى الرابع عشر من شهر تموز، عندما وقع انقلاب بالعراق أطاح الملكيّة. فازدادت مشاعر المسلمين اللّبنانييّن تأججاً، وعمد بعضهم، ممّن هو في الدرك والشرطة والجيش إلى ترك السلك والإنضمام إلى المسلحيّن. الإنقلاب العراقي ّ برّر نزول المارينز الأميركييّن على الشاطئ اللّبنانيّ ثاني يوم الإنقلاب. لم يهدف التدخل العسكري الأميركيّ إلى إنقاذ لبنان من المؤامرة الناصريّة، ولا إلى وضع حدّ للأحداث، بل كان عملاً إحتياطياً لما قد يؤول إليه الإنقلاب العراقيّ من إمتداد للنفوذ السوفيتيّ. غير أنّ التدخل الأميركيّ كان حاسماً في العمل على إنتخاب قائد الجيش، فؤاد شهاب، رئيساً للجمهوريّة اللّبنانيّة بناء على طلب جمال عبد الناصر. إنتخب فؤاد شهاب رئيساً للجمهوريّة في الثلاثين من شهر تموز من العام 1958. لكنّه لم يستلم مهامّه إلاّ بعد إنتهاء ولاية كميل شمعون.
وعقب تشكيل الوزارة الأولى في 25 أيلول 1958 وخطف فؤاد حداد، المحلّل السياسي في صحيفة العمل الكتائبيّة في 28 أيلول 1958، قامت ثورة مضادّة قادها حزب الكتائب وسارت وراءها المجموعة المسيحيّة. فاضطر فؤاد شهاب إلى تشكيل حكومة جديدة سميت حكومة الأربعة، أعادت الهدوء إلى البلاد بعدما رفعت شعار " لا غالب ولا مغلوب".
الأزمة الثالثة: إتفاقية القاهرة في منتصف السّتينيات، بدأ العمل الفدائي الفلسطينيّ نشاطه. ولم تقف المنظمات الفلسطينيّة عند حدود تجنيد الفلسطينييّن في صفوفها، بل أفسحت المجال لأن يدخلها لبنانيّون. فانخرطت فيها أغلبيّة إسلاميّة، وعدد كبير من المطلوبين من العدالة. وأخذت البلاد تنقسم حول الموقف من العمل الفدائي. المسيحيّون يؤيدون بلا تحفظ القضيّة الفلسطينيّة. لكنّهم يعارضون الممارسات الفلسطينيّة، ويخشون ردود فعل إسرائيليّة لا تكون في صالح لبنان. أمّا المسلمون فيؤيدون تصرفات الفلسطينييّن ويبرّرونها. وها إنّ رئيس الوزراء اللبناني، عبد الله اليافي يعلن من على شرفة السراي تأييده المطلق غير المشروط للعمل الفدائي ومساعدته بالسلاح. في تلك الفترة نما التلاحم بين اليسار الماركسيّ والمنظمات الفلسطينيّة والجماعة الإسلامية اللبنانيّة نمواً كبيراً، حتى بات اليسار ناطقاً رسميا باسم المطالب الإسلامية والعمل الفدائيّ. وإستغل الثلاثي المتحالف العمليّة الإسرائيليّة التي ضربت طائرات شركة طيران الشرق الأوسط في مطار بيروت الدولي ليل الثلاثين من كانون الأوّل من العام 1968، ليشن حملة شعواء على الجيش وعلى الحكم في لبنان. فاستقالت حكومة عبد الله اليافي، وشكّل رشيد كرامي، في نهاية كانون الثاني 1969 حكومة جديدة. وسارت الأمور من سيء إلى أسوأ. فاضطر رئيس الجمهوريّة اللبنانية، شارل حلو إلى إذاعة بيان بتاريخ الواحد والثلاثين من شهر أيّار من العام 1969، يؤيد فيه القضيّة الفلسطينيّة، لكنه يعارض تعريض أمن لبنان وسيادته للخطر. ردّ الفعل الإسلامي على بيان رئيس الجمهوريّة كان فورياً. رشيد كرامي أدلى بتصريح فيه بيان رئيس الجمهوريّة، ويقدّم إستقالة حكومته إحتجاجاً. والمسلمون اجمعوا على معارضة رئيس الجمهورية، وعلى رفض أيّ منهم تشكيل حكومة جديدة. بقيت الأزمة ستّة أشهر كاملة حتى وقّعت إتفاقية القاهرة في الثالث من شهر تشرين الثاني من العام 1969. قيل في هذه الاتفاقية وعنها الشيىء الكثير. ولا تزال الأقلام تتناولها حتى الساعة. إنما الأمر الأكيد أنّ الفلسطينييّن وحلفائهم لم يتقيّدوا بها البتّة، وإن كانوا يكرّرون دوماً تمسكهم بها.
المسيحيّون رفضوا الإتفاقية، على الرغم من أنّ موقّعها، عن الجهة اللّبنانية، هو قائد الجيش، وهو مسيحيّ. إلاّ أنّ بعضهم وفي طليعتهم رئيس حزب الكتائب اللّبنانية إعتبرها أهون الشرين. فإذا كانت الإتفاقية شراً فإنّ الحرب الأهلية، التي بسببها رفض القبول بالإتفاقية، شرّ أدهى. ولم يكن أحد يدري أن الحرب التي تفاداها المسيحيّون عام 1969، ستقع بعد ستّ سنوات . عاد رشيد كرامي عن إستقالته. ووافق مجلس النواب على بيان الحكومة الذي يذكر إتفاقيّة القاهرة من غير أن يعلنها على الملا أو أن يطلع النواب عليها. جمّدت الأزمة لكنّ النار بقيت تحت الرماد.
الأزمة الرابعة: الدول العربيّة تمارس الضغوط علانيّة على الدول اللّبنانيّة في نهاية شهر آذار من العام 1970، وقعت بعض الإصطدامات بين الفلسطينييّن وأعضاء من حزب الكتائب اللبنانيّة. وفي العام نفسه، إنتهت ولاية شارل حلو، وإنتخب سليمان فرنجية رئيساً جديداً. وجرت أحداث "أيلول الأسود" في المملكة الأردنية الهاشميّة، وتوفي جمال عبد الناصر في 28 من شهر أيلول. "أيلول الأسود" كثّف الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان. وكانت سورية تسهّل مرور الفلسطينيين إلى لبنان عبر أراضيها. التلاحم اليساريّ-الإسلاميّ-الفلسطينيّ (المدعوم من سورية إلى أقصى حدّ). أصبح سيّد الشارع الإسلاميّ. وكان في حاجة إلى أيّ سانحة ليفجّر الموقف. هذه السانحة تحققت في العاشر من شهر نيسان من العام 1973، إذ اغتال فريق إسرائيلي، نزل في بيروت ، ثلاثة من القادة الفلسطينييّن. إتهم الجيش بالتقصير، وطالب رئيس الوزراء، صائب سلام بإقالة قائد الجيش. لم ينزل رئيس الجمهوريّة عند طلب رئيس الوزراء. فاستقال سلام. خلف أمين الحافظ صائب سلام. وفي تلك الأثناء، خطف الفلسطينيّون ثلاثة من العسكرييّن اللّبنانييّن. المسلمون يطلبون من أمين الحافظ الإستقالة. والفلسطينيّون يرفضون إعادة المخطوفين. وفي إصطدام بين الجيش اللبناني والفلسطينيّين، فأغلقت سورية الحدود. وإجتمع السفراء العرب برئيس الجمهوريّة، وفرضوا عليه وقف العمليات العسكريّة ضدّ الفلسطينييّن. فخضع رئيس الجمهوريّة للضغط العربيّ، وتجمدّت الأزمة مرّة أخرى. لكنّ النار بقيت تحت الرماد.

الفصول

تقسم المرحلة بين 1969 و2005 من تاريخ القضية اللبنانية إلى ستة فصول رئيسية بهدف تقديم تحليل منهجي وشامل لتطور الأحداث والمراحل المحورية التي طبعت تاريخ القضية اللبنانية من نصف السبعينات . يبدأ التقسيم من عام 1969، الذي يمثل بداية انهيار الدولة اللبنانية مع توقيع اتفاق القاهرة، الذي رسخ وجود الفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان، ما أدى إلى تقويض السيادة الوطنية وتصاعد الأزمات السياسية والاجتماعية. وينتهي عند عام 2005، الذي شهد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري، مما أعطى بارقة أمل لاستعادة الدولة اللبنانية سيادتها المفقودة. الفصول